إن تعهد الولايات المتحدة مؤخراً بتقديم 100مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية لتركيا وسوريا لمساعدة البلدين على مواجهة الزلزال المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 46 ألف شخص وتشريد الملايين، لن يخفي نفاق واشنطن، لأن الكارثة الإنسانية الخطيرة التي سببتها العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا قد تم الكشف عنها بالكامل من خلال الزلزال المدمر، ورفض الولايات المتحدة رفع جميع العقوبات الأحادية غير القانونية المفروضة على سوريا.
أشار تيان بين، باحث في مركز أبحاث الأمن الخارجي بجامعة تسينغهوا، إلى أن العقوبات الاقتصادية مثلها مثل الحرب والمفاوضات الدبلوماسية، فهي إحدى الوسائل المهمة لحل النزاعات بين الدول. ويرى العديد من العلماء وصانعي السياسات، أن تقييد وإتلاف وحرمان الحقوق والمصالح الاقتصادية للطرف الخاضع للعقوبات، أكثر قسرية وإلزامًا من الضغط الدبلوماسي، لكنه أقل تكلفة من شن الحرب. لذلك، غالبًا ما تُستخدم العقوبات الاقتصادية كأداة للسياسة الخارجية لمتابعة مصالح مركبة متعددة مثل المصالح الاقتصادية، والمصالح السياسية، والمصالح العسكرية والأمنية، والمصالح الثقافية، وتعتبر أداة سياسية خارجية أكثر فعالية من الوسائل الدبلوماسية وأكثر إنسانية من الوسائل العسكرية.
منذ القرن الماضي، استخدم الغرب العقوبات الاقتصادية على نطاق واسع في عملية تسوية النزاعات الدولية كإجراء تقييد اقتصادي قسري غير عسكري. ويعتبر استخدام العقوبات الاقتصادية في نظر صانعي السياسة في معظم الدول الغربية ذات مزايا من حيث التطبيق العملي والمرونة. لذلك، غالبًا ما تستخدم الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة هذه الطريقة لإجبار الدولة الخاضعة للعقوبات على تقديم تنازلات من حيث المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها. وتعتبر الولايات المتحدة الدولة الاكثر فرضا للعقوبات احادية الجانب، حيث يشكل عدد العقوبات التي فرضتها وشاركت فيها حوالي ثلثي العدد الإجمالي للعقوبات الاقتصادية العالمية، ولا يزال هذا السجل قيد التحديث. ويعاني حتى الآن ما يقرب من 40 دولة في العالم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، وقد تأثر نصف سكان العالم بها، وتسببت بعض العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد في حدوث كوارث إنسانية خطيرة في بعض البلدان والمناطق.
وتشكل العقوبات الاقتصادية كابوسًا للدول الصغيرة، وخاصة الضعيفة منها التي دمرتها الحرب. وتُظهر ممارسة العقوبات الاقتصادية بعد الحرب الباردة أن العواقب السلبية للعقوبات الاقتصادية ضد الدول الصغيرة لا تقل أحيانًا عن حرب. فمنذ عام 1990، وتحت قيادة الغرب، فرضت الأمم المتحدة عقوبات على العراق لمدة 14 عامًا، أدت إلى وفاة 1.732 مليون عراقي بسبب نقص الرعاية الطبية وسوء التغذية، وهو أمر شائع للغاية. بالإضافة إلى ذلك، أدت العقوبات الاقتصادية المفروضة على يوغوسلافيا منذ عقد من الزمان إلى مضاعفة معدل وفيات الأطفال في البلاد.
لقد دفعت الكارثة الإنسانية التي لا مفر منها المجتمع الدولي إلى البدء في التقييم الإنساني والتفكير في العقوبات الاقتصادية، حيث يرى أنه يجب أن يأخذ القائمون على هذه العقوبات بعين الاعتبار تأثيرها السلبي المحتمل على الإنسان أثناء سعيهم لفعالية العقوبات، لأن معظم الضحايا المباشرين في عملية العقوبات الاقتصادية بأكملها هم أشخاص عاديون أبرياء. وبالمثل، فإن الضحايا المباشرين لسلسلة العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا هم الأعداد الكبيرة من الأبرياء العاديين في سوريا، وأبرزهم كبار السن والنساء والأطفال.
إن العقوبات الاقتصادية في حد ذاتها وسيلة قسرية. وبمجرد أن تتسبب العقوبات الاقتصادية في أزمة إنسانية خطيرة في البلد المستهدف، سيُدان من فرضها حتماً من قبل الرأي العام الدولي، بغض النظر عمن فرضها، وعن سبب الفرض، وإن كانت قانونية أم لا، وعما إذا كان هدف العقوبة المقصود قد تحقق بنجاح أم لا. كما سيختفي ما يسمى بـ "عدالة" و "شرعية" العقوبات.
فرضت الولايات المتحدة جولات متعددة من العقوبات الاقتصادية القاسية لفترة طويلة على سوريا متجاهلة الوضع في الاخيرة، بل وفرضت حظراً شاملاً على بعض القطاعات والسلع المتعلقة بمعيشة الناس، وإن زيادة فعالية عقوباتها وتحقيق مطالبها السياسية بفرض تكاليف باهظة على الشعب السوري أمر مخالف لأخلاق المجتمع الدولي. لذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تفكر بعمق في قابلية تطبيق العقوبات الاقتصادية الحالية المفروضة على سوريا، وأن ترفع العقوبات ذات الصلة في أسرع وقت ممكن، من أجل التخفيف من معاناة وأذى الشعب السوري الأبرياء المتضررين من الكارثة.