بكين 11 مارس 2021 (شينخوا) على وقع انعقاد الدورتين السنويتين الرابعتين للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني الـ13 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، قال السفير المصري لدى الصين، الدكتور محمد البدري، إن هذا العرس السياسي السنوي من أهم الأحداث الفارقة في تاريخ الصين الحديث، لأن هذه الدورات هي التي تضع البوصلة المحددة لتوجهات الصين خلال العام المقبل.
وخلال مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة أنباء شينخوا، قال السفير المصري إن هناك الكثير من الموضوعات الهامة التي تمت مناقشتها خلال الدورتين السنويتين، لعل أهمها ما يتعلق بمكافحة الصين الناجعة لوباء كوفيد-19 والسيطرة عليه وأسلوب إدارة الاقتصاد خلال المرحلة الراهنة وكذلك خفض الانبعاثات الكربونية علاوة على المسائل الخاصة بالضرائب وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ولدى سؤاله عن التطورات والإنجازات التي حققتها الصين ومصر خلال السنوات الأخيرة والتطلعات بشأن التعاون بين البلدين خلال العام الجاري، قال د. البدري إنه رغم أن السنة الماضية كانت حُبلى بالكثير من التحديات للبلدين والتي تمثل أبرزها في تفشي جائحة كوفيد-19 وما أفرزته من تراجع للسياحة الصينية إلى مصر وتوقف لحركة رجال الأعمال بين البلدين، إلا أن تلك الجائحة كان لها وجه مشرق ومثلت فرصة كبيرة للبلدين والبشرية جمعاء لإبراز التعاون والتضامن في أوقات المحن.
وأوضح د. البدري أن الجميع تابعوا خلال العام الماضي كيف وقفت مصر مع الصين في بداية الجائحة خلال فبراير ومارس من العام الماضي، حيث أنارت مصر كل آثارها بعلم الصين وقدمت مساعدات طبية للصين في هذه الجائحة، وعندما وصلت الجائحة إلى مصر كانت الصين في طليعة الدول التي قدمت الدعم لمصر من خلال المستلزمات الطبية.
ولفت السفير المصري إلى أنه في يوم 2 فبراير الماضي كان هناك اتصال هاتفي بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث بحث الزعيمان سبل تعزيز العلاقات بين الدولتين ودفع التنسيق بينهما، مشيرا إلى أنه وإن كانت علاقات مصر مع الصين على أعلى مستوى بالفعل، إلا أن مصر تطمح دوما للارتقاء بهذه العلاقات الثنائية خلال العام الحالي وعلى المديين القصير والمتوسط.
وحول الآفاق بشأن تعاون البلدين في مجال اللقاحات المضادة لكوفيد-19، قال د. البدري إن الصين دولة رائدة في صناعة اللقاحات وإن هناك مجالا رحبا وقائما بالفعل للتعاون بين الدولتين بشأن اللقاحات، حيث تسلمت مصر منذ أسبوعين شحنة هدية من الصين تضم جرعات من لقاح "سينوفارم" وسيتم خلال الأيام القادمة توفير مزيد من اللقاحات الصينية إلى مصر، لافتا إلى أن هناك آفاقا كبيرة لتعاون البلدين في هذا المجال.
وفي معرض رده على سؤال بشأن كيف يمكن للصين ومصر ودول العالم أجمع تعميق التعاون الاقتصادي فيما بينها، في ظل تقارير لمؤسسات دولية تفيد بأن الاقتصاد العالمي سيظل في حالة ركود في النصف الأول من عام 2021، قال السفير المصري إنه من سُنن العلاقات الدولية أنه في كل تحدٍ فرصة، والبشرية كثيرا ما تتعرض لكوارث ولكن المرحلة الأهم في هذا هو كيف تستفيد البشرية مما حدث.
وأضاف د. البدري أن ما حدث كان صعبا ولكنه ساعد كثيرا من دول العالم على ترسيخ علاقاتها الثنائية، وهذه فرصة حتى يعرف الجميع أن لا دولة تحيا بمفردها ولن تحيا أي دولة بمفردها، لافتا إلى أنه يتم العمل على تعزيز العلاقات بين مصر والصين في شتى المجالات.
وفيما يتعلق بتحقيق الصين انتصارا حاسما في معركة القضاء على الفقر المدقع واستعدادها للعمل يدا بيد مع شتى الدول لتخفيف حدة الفقر حول العالم، قال السفير المصري إن تجربة الصين رائدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وعزا د. البدري نجاح الصين في القضاء على الفقر المدقع إلى معجزة التنمية الصينية واهتمام الحكومة الصينية بالنهوض بمستوى معيشة الشعب، مشيرا إلى أنه يتم حاليا نقل هذه التجربة إلى مصر وأن هناك بالفعل تعاونا في هذا المجال لمعرفة كيف نجحت الصين وما هي المشاكل التي واجهتها وكيف تغلبت عليها.
وحول توقعاته تجاه مواصلة الصين ومصر دفع البناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق بما يصب في صالح توطيد علاقاتهما، أوضح د. البدري أن العلاقات بين مصر والصين علاقات ممتدة وقديمة جدا وأنه مع اعتماد مصر لسياسة التنوع في علاقاتها الخارجية فإن الصين تمثل توجها رئيسيا واستراتيجيا للسياسة الخارجية المصرية. وعندما طُرحت مبادرة الحزام والطريق لبى الرئيس عبد الفتاح السيسي كافة الدعوات التي وُجهت له فيما يتعلق بهذه المبادرة، التي تعد مصر جزءا لا يتجزأ منها.
وتابع أن هذه المبادرة رؤية جديدة لم تكن مطروحة كأداة من أدوات السياسة الخارجية لأي دولة من قبل، وأنها تركز على الانفتاح على العالم من خلال خطة واضحة وخطوات محددة وأسلوب فكري مستنير يتمثل في دعم التجارة وفتح طرق التواصل والعلاقات بين الشعوب، وجميعها أوجه تصب في منطلقات السياسة الخارجية لغالبية الدول المشاركة في مبادرة الحزام والطريق.
واستطرد د. البدري قائلا إن جزءا كبيرا من التجارة الدولية يمر عبر قناة السويس وإن القناة ومنطقتها الاقتصادية، تمثلان أحد المراكز الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق على الطريق التجاري التقليدي الذي يربط بين أوروبا والشرق عبر تلك القناة، مشيرا إلى أن مصر دشنت قبل بضع سنوات امتدادا لقناة السويس يحمل اسم "قناة السويس الجديدة" والذي قلص وقت مرور السفن.
ومع تطرقه لأهمية مفهوم مجتمع المستقبل المشترك للبشرية في هذا الوقت الذي يشتد فيه الاتجاه المناهض للعولمة وتتفشى فيه الأحادية والحمائية، صرح السفير المصري بأن القاعدة الأساسية التي يجب أن يعلمها الجميع هي أن العولمة تأتي بالفرص والتحديات معا شأنها شأن أي ظاهرة أخرى في العلاقات الدولية، مشيرا إلى أن العالم دخل منذ فترة مرحلة الاعتمادية المتبادلة وأن مرحلة الانعزالية والأحادية انتهت ولن تعود بسبب ثورة الاتصالات وثورة التنقلات وثورة تطبيقات التواصل الاجتماعي، كما أن جائحة كوفيد-19 برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن البشرية جمعاء تواجه مستقبلا مشتركا.
وإزاء أفق التعاون بين الصين ومصر في مجال حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي، قال د. البدري إن الصين أعلنت عن خططها للوصول بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى ذروتها بحلول عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وإن مصر لديها خططها الخاصة في هذا المجال أيضا وتربطها بروتوكولات تعاون في مجال إنتاج السيارات الكهربائية مع الصين، مشيرا إلى أن هناك تعاونا قائما بين وزارة البيئة المصرية والجهات المعنية بالبيئة في الصين، وهناك بعض المشاريع بين البلدين في هذا المجال.
واختتم د. البدري حديثه بتناول العلاقات الصينية-الأفريقية من زاوية العلاقات المصرية الصينية بشكل خاص والعلاقات بين الصين والقارة السمراء بشكل عام، قائلا إنه بالنظر للنموذج المصري الصيني، فإنه ليست هناك شائبة تشوب التعاون بين البلدين والذي يقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
وأبدى السفير المصري رفضه لما يردده البعض بأن الصين تمارس مصيدة الديون في علاقتها مع افريقيا، مشيرا إلى أن مصر دولة افريقية وحصلت على قروض من الصين وأن الحديث عن مصيدة الديون إنما يعكس قدرا من السذاجة، "فنحن لم نقع في المصيدة ولا نرى مصيدة في هذا الأمر، بالعكس نحن نراها وسيلة للتعاون المشترك بين الدولتين".
وأوضح د. البدري أن ما قدمته الصين من مساعدات ودعم للقارة الأفريقية في ظل جائحة كوفيد-19 كان محل إعزاز وتقدير كبيرين من جانب جميع القيادات التي شاركت في القمة الصينية-الأفريقية غير العادية للتضامن لمكافحة جائحة كوفيد-19 والتي عقدت عبر دائرة الفيديو في شهر يونيو من العام الماضي، حيث كان هناك امتنان بالغ للدور الصيني.