كان من بين ضحايا الهجوم الإرهابي الذي إستهدف متحف باردو بتونس يوم 18 مارس الجاري، 17 سائحا أجنبيا. وقالت شركة MSC لرحلات السياحية بالبحر الأبيض المتوسط أن 9 من الضحايا كانوا على متن سفينة الرحلات الفاخرة "MSC غلوريوس" التي رست على ميناء حلق الوادي، كما جاء بقية السائحين على سفن رحلات فاخرة أيضا.
منذ إستقلالها، ظلت تونس الإقتصاد الأسرع نموا والمجتمع الأكثر إستقرارا في شمال إفريقيا، كما تعد إحدى أكثر الدول العربية علمانية، إلى جانب أنها ظلت تعد "نموذج الربيع العربي".
لكن تونس في النهاية تبقى دولة صغيرة، وقد أدى الخطأ الذي أرتكب في السنوات الأخيرة لعهد بن علي في تحويل قطاع النسيج وغيرها من الصناعات الخفيفة إلى تعاظم التبعية إلى السوق الأوروبية، ومع الركود الذي تشهده الأسواق الأوروبية في الوقت الحالي، أصبح من الصعب على الإقتصاد التونسي تحقيق الإنتعاش. في سنة 2012، حقق الناتج المحلي الإجمالي التونسي نموا بـ 3.6%، ما جعل الكثير من الناس يتحدثون عن أن تونس هي البلد الوحيد التي نجحت في تحقيق إنتقال سياسي مستقر بعد الثورة، لكن في سنة 2013، تراجع معدل النمو إلى 2.6%، ومن المتوقع أن تكون النسبة أقل في سنة 2014.
في ظل هذا الوضع، أصبحت تونس في تبعية متزايدة إلى السياحة. وتونس هي مهد حضارة قرطاج، كما تعد درّة شمال إفريقيا في العهد العربي، وتتميز ببيئة منفتحة ذات طابع أوروبي يندر وجودها في بقية العالم العربي، إلى جانب مناظر البحر الأبيض المتوسط الجميلة، ولذلك كانت تونس وجهة سياحية مستقطبة لأنظار العالم.
أصبح دور السياحة في الإقتصاد التونسي أكثر أهمية بعد عهد بن علي. ووفقا لبيانات السياحة العالمية ومجلس السياحة، ساهمت السياحة بـ 7% من الناتج المحلي الإجمالي التونسي في سنة 2013، ومع إضافة القطاعات ذات الصلة، تصل درجة مساهمتها إلى 15.2%.
خلفت ثورة 2011 آثارا عميقة على السياحة التونسية، لكن منذ سنة 2012، بدأ عدد السياح في التزايد مع تحسن الوضع الأمني، وعدم تسجيل البلاد لأحداث عنف كتلك التي شهدتها ليبيا ومصر. وتفيد بيانات وزارة السياحة التونسية، بأن قطاع السياحة يوفر 480 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يمثل 12% من إجمالي القوة العاملة في تونس.
رغم أن الحكومة التونسية قد صرحت بأن هدف الإرهابيين من مهاجمة السائحين، كان ضرب السياحة التونسية، في مسعى لتدمير الإقتصاد التونسي وإحداث أزمة إقتصادية، تنجم عنها إضطرابات سياسية وإجتماعية، وهكذا يمكنهم الصيد في الماء العكر؛ لكن أن السائح الأجنبي وعمالقة السياحة العالميين ليسوا رجال سياسة، وما يفكرون فيه هو الأمن والفاعلية الإقتصادية.
بعد هجوم 18 مارس، أعلنت شركتا آم آس سي وكوستا للرحلات البحرية عن إلغاء مخطط التوقف في الموانئ التونسية بشكل وقتي. في حين تعد هاتان الشركتان أحد أكبر مزودي السياحة التونسية بالسياح، حيث تقل سفينة الرحلات الواحدة في كل مرة أكثر من 3000 سائح أجنبي، هذا إلى جانب الفرص التجارية المتعلقة.
تشير منظمة العمل الدولية إلى أن الهجمات الإرهابية لديها أثر كارثي على تطور قطاع السياحة. مثلا، خسرت السياحة العالمية 6.6 ملايين فرصة عمل خلال عامين منذ وقوع هجوم 11 سبتمبر 2001 ، أما مصر فقد خسرت جاذبيتها السياحية الكبيرة منذ الهجمات الإنتحارية في سنة 1996 وبعد تداعيات الثورة. وتعد تونس الأكثر إستقرارا على مستوى الإنتقال السياسي والإجتماعي والأسرع تعافيا على المستوى الإقتصادي من بين دول الربيع العربي، ومع ذلك، لايزال عدد السياح والناتج المحلي الإجمالي في تونس أقل من مستوى ماقبل الثورة، وبعد هذا الهجوم، أصبحت آفاق السياحة التونسية أقل تفاؤلا. وقد تحدث رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد بصراحة، قائلا، إن تأثيرات هذا الهجوم على الإقتصادة قد تكون "مخيفة".
لكن المثير للقلق ليس هذا فحسب. فوفقا لبيانات الشرطة التونسية، يوجد مابين 2000 و3000 مقاتل تونسي في تنظيم داعش بسوريا والعراق وليبيا، يمثلون الجنسية الأكثر عددا في هذا التنظيم، وقد عاد من بينهم قرابة 500 مقاتل إلى تونس.
لا تزال التنظيمات السلفية والإرهابية تشعر بالغيظ من عدم إستنساخ "إنجازاتها" في سوريا وليبيا بتونس، وطبعا إن المقاتلين العائدين من ساحة الحرب لا يرغبون في "الجهاد" خارج البلاد دائما، ومن الطبيعي أن يصبح قطاع السياحة والسياح الأجانب هدفا لهم، وحتى إذا لم ينجحوا في تحقيق أهدافهم كل مرة، فإن خلق جو مخيف للسائح الأجنبي يكفي لضرب الإقتصاد التونسي، ومن ثم التأثير على التشغيل والإستقرار الإجتماعي في البلاد. وإذا وصل الوضع إلى هذا المستوى، فإن الإرهاب لن يغتال السياحة والإقتصاد فحسب.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn