بكين 21 فبراير 2015 / عشية حلول رأس السنة القمرية الصينية الجديدة في الـ 19 من فبراير الجاري، مارس الصينيون طقوسهم وعاداتهم التاريخية التي ما زالوا يحافظون عليها منذ القدم، والتي تضيف مزيداً من السحر والنكهة على الإرث الثقافي الصيني العريق.
وفيما تتنوع هذه العادات والتقاليد المتبعة، بدءاً من أصناف الطعام المميزة والشهية، مروراً بالاستمتاع بدفء الأسرة ولم الشمل، وصولاً لإطلاق الألعاب النارية ومظاهر الاحتفال المتنوعة. لا تخلو هذه الأجواء الفريدة التي يعيشها الصينيون سنوياً بفرح كبير، من بعض السلبيات التي باتت تؤثر بشكل أكبر في يومنا هذا، ولا سيما مع تطور العصر وما يشهده العالم من تحديات لعل من أبرزها مشكلة الحفاظ على البيئة والحد من التلوث.
ففي مسح أجرته وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" لوحظ تسجيل ارتفاع في مستويات التلوث بعموم الصين وصل إلى "مستويات خطيرة" في 106 مدن صينية، خلال ذروة الاحتفالات المُقامة لاستقبال العام القمري الصيني الجديد، وذلك بسبب إشعال المفرقعات وإطلاق الألعاب النارية.
فما بين الساعة الثامنة من مساء يوم الأربعاء الماضي وحتى الساعة العاشرة من صباح يوم الخميس الماضي، تجاوز مؤشر جودة الهواء المعروف بـ (إيه كيو آي)، تجاوز حاجز الـ 300 في 106 مدن في عموم الصين. ووفقاً للمعايير الصينية لجودة الهواء ، فإن تراوح مؤشر (إيه كيو آي) بين 201 و 300 يؤشر إلى وجود (تلوث كثيف) في الهواء، بينما يعتبر التلوث (خطيرا) فيما لو تجاوز عتبة الـ 300.
وشهدت مدينة بكين يوماً رائعاً خلال ساعات النهار حيث سجل مؤشر جودة الهواء أقل من 50، إلا أن احتفالات الألعاب النارية التي جرت في مساء ذلك اليوم أفسدت ذلك الجو الرائع.
وفي تعليق على تلك الأجواء ، أعرب أحد المقيمين في بكين ولقبه تشين، أعرب عن أسفه لما حصل من تلوث حيث قال:" كنت قد تفاخرت للتو بنشر صور عن السماء الزرقاء على موقع التواصل الاجتماعي في صبيحة ذلك اليوم، لكن الضباب الدخاني لم يلبث طويلاً قبل أن يعود ليخيم على السماء في تلك الليلة".
وفي السياق ذاته، قال مكتب حماية البيئة في بلدية بكين إن مستويات التلوث تزايدت بشكل مضطرد في سماء بكين من الساعة الثامنة من مساء يوم الأربعاء ، فيما أن تلك المستويات تحدث عادة في احتفالات السنة الميلادية الجديدة، ولكن عند منتصف الليل.
ووفقاً لمركز مراقبة البيئة في بلدية بكين، فقد سجلت ذروة قراءة مؤشر جزيئات (بي إم 2.5)، وهي جزيئات عالقة في الهواء أقل من 2.5 ميكرون في المتر المكعب مسببة التلوث، وصلت إلى 410 ملغ/في المتر المكعب ما بين منتصف الليل وحتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بارتفاع بنسبة 12 بالمئة على أساس سنوي.
وتسبب المفرقعة النارية الواحدة تلوثاً كثيفاً في منطقة تبلغ مساحتها 10 أمتار مكعبة، وذلك وفقاً لتجربة قام بها البروفيسور شانغ قوان ون فينغ من مركز تكنولوجيا الإحراق والبيئة في جامعة جياوتونغ بشانغهاي.
ويعتبر إطلاق الألعاب النارية خلال الاحتفالات بالسنة القمرية الجديدة تقليداً قديماً جداً في الصين، حيث اعتقدت الخرافات القديمة بأن من شأن الأضواء والأصوات أن تطرد الأرواح الشريرة وتخيفها لتهرب بعيداً. وفي السنوات الأخيرة، اعتاد الناس على استحضار مثل هذا الجو الاحتفالي خلال فترة أهم عطلة في البلاد .
وعلى الرغم من ذلك، فإن اللوم على الألعاب النارية يتزايد بشكل مضطرد، بالنظر إلى مساهمتها في مفاقمة مشاكل البلاد حول الضباب الدخاني، ودفع الحكومات المحلية لفرض تدابير تمنع أو تحد من عروض الألعاب النارية.
وانخفضت مبيعات التجزئة للمفرقعات النارية في بكين بنسبة 20 بالمئة هذه السنة، وذلك مع قيام السلطات بتخفيض عدد الأيام المرخص فيها بيع المفرقعات النارية، وتخفيف مراكز البيع بالتجزئة أيضاً، وسط مساعيها للحد من التلوث.
وتتوفر المفرقعات النارية بشكل رسمي في منافذ مؤقتة للبيع بالتجزئة في بكين قبيل حلول السنة القمرية الجديدة، حيث قامت السلطات في بكين بتخفيض عدد الأيام التي يمكن فيها بيع تلك المفرقعات من 20 يوماً لتصبح 11 يوماً فقط .
وعلى الجهة المقابلة، فإن سيناريوهات مختلفة تظهر في المناطق الريفية، حيث لا ضوابط شديدة على استخدام المفرقعات النارية.
فقد قال لي شو آي، وهو موظف في جمعية المفرقعات والألعاب النارية في مقاطعة آنهوي، إن استهلاك المناطق الريفية للألعاب النارية في تزايد مستمر خلال السنوات الماضية، حيث بلغت إيرادات المبيعات في محافظة تشيانشان لوحدها، أكثر من 50 مليون يوان (8.16 مليون دولار) سنوياً.
وأضاف لي:" إن مستوى الحياة في المناطق الريفية يتحسن بشكل متزايد، وقد أصبحت عادة إطلاق الألعاب النارية طريقة لجلب البركة والترفيه بالنسبة للمقيمين في تلك المناطق ".
وحول هذا الأمر، قال وي بين، وهو مسؤول ثقافي في محافظة رونغشوي الذاتية الحكم لقومية مياو في منطقة قوانغتشي الذاتية الحكم لقومية تشوانغ بجنوبي الصين، قال إن العمال المهاجرين الذين يعودون إلى منازلهم دائماً ما يقومون بإطلاق عدد ضخم من الألعاب النارية خلال الاحتفال بالسنة القمرية الجديدة ليتفاخروا فيما بينهم حول المكاسب التي حققوها خلال عملهم في المدن.
وبدوره أضاف شي كه المسؤول عن شركة للألعاب النارية في منطقة قوانغتشي :" بسبب القيود المفروضة على استخدام المفرقعات النارية في المدن، فإن بعض سكان المناطق الحضرية يفضلون القدوم إلى المناطق الريفية لإشباع رغباتهم في عروض إطلاق الألعاب النارية".
وبالحديث عن تأثير الألعاب النارية على نوعية الهواء، قال البروفيسور بان قونغ بيي من جامعة نانجينغ للعلوم والتكنولوجيا، إن إطلاق الألعاب النارية سيسبب حتماً تلوثاً قصير المدى في الهواء، لكن من غير العادل إلقاء اللوم على الألعاب النارية لوحدها بالنسبة لموضوع تلوث الهواء. حيث قال إنه وفيما يُتوقع من الحكومة القيام بالمزيد من الجهود لكبح التلوث، يتوجب على العامة في المقابل أن يحاولوا تغيير أفكارهم وطرقهم في العيش فيما يتعلق بموضوع إطلاق الألعاب النارية، أو التخلي عن تلك العادة من أجل المساهمة في الحفاظ على "سماء زرقاء" بشكل متزايد .
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn