وليد عبدالله، باحث تونسي في شؤون الصين وشرق آسيا، بكين
شاركت في نهاية نوفمبر الماضي، في ندوة عقدت ببكين تحت عنوان "إعادة التفكير في جنوب أوروبا،شمال إفريقيا وغرب آسيا: الصين ومنطقة المتوسط من منظور أوروبي" ، وشارك في الندوة مجموعة من الخبراء الصينيين والأوروبيين. تركزت النقاشات حول التهديدات التي تواجه الضفة الشمالية للمتوسط، المتمثلة أساسا في الهجرة السرية القادمة من الضفة الجنوبية والأنشطة الإرهابية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، وطرح الخبراء الأوروبيين تصورات حول التعاون الأمني الأوروبي الصيني لمواجهة هذه التحديات، في المقابل، إعتبر أحد الباحثين الأوروبيين ضعف التعاون الإقتصادي الصيني مع بعض دول جنوب المتوسط شيئا إيجابيا من منظور أوروبي. هذه الرؤية التي تطمح إلى إستغلال الدور الصيني لفائدة المصالح الغربية في غرب آسيا وشمال إفريقيا، لاتقف عند حدود الأوساط الأكاديمية الغربية فحسب، بل نسمعها أيضا من الأوساط الرسمية، فقد دعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكثر من مرة الصين إلى تحمل "مسؤوليتها" في العراق والحرب على "داعش".
في الحقيقة، إن طلب الغرب المساعدة من الصين في التعامل مع شؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا لاينبع من إعترافه بالدور الصيني أو عن ترحيب طوعي بالتعاون مع الصين في إدارة الشؤون الدولية، بقدرما يعود إلى إستنفاذ الدول الغربية حلولها وطاقتها في معالجة قضاية دول المنطقة بمايخدم مصالحها. ففي البداية تجاهل الغرب الموقف الصيني تجاه العراق،وليبيا وسوريا، وحاول التعامل مع الوضع بشكل منفرد وتطويعه لصالحه، أكثر من ذلك، حاولت الدول الغربية إقناع الرأي العام بأنها تتدخل لصالح الشعوب العربية، وصورت الفيتو الصيني على أنه وقوف صيني أمام إرادة الشعوب العربية والديمقراطية، رغم أن الناتو تعود التحرك خارج إطارمجلس الأمن، وفي وقت ما ظن الكثير داخل العالم العربي أن الصين وروسيا يمثلان العقبة الرئيسية أمام الربيع العربي.
لقد عملت الدول الغربية خلال مايزيد عن القرن من التدخل الفج في العالم العربي على تجريب مختلف الوسائل من أجل السيطرة على هذه المنطقة الإستراتيجية، حتى صنعت منه كائنا مخيفا على طريقة "فرانكشتاين"، وفي الوقت الحالي تشعر الدول الغربية بأنها فقدت زمام التحكم. فمن جهة، وجدت أن التدخل العسكري يواجه بعنف مماثل لايتوقف عند ساحة الحرب فحسب، بل يلاحقها إلى الداخل؛ ومن جهة ثانية، أصبحت النخب السياسية المحلية الحاكمة التي طالما مثلت وسيطا للتحكم الغربي في المنطقة منذ الإستقلال، تواجه أزمة شرعية الحكم ومعارضة جماهيرية، تمكنت من إسقاط العديد من الحكومات؛ من جهة أخرى، يواجه الغرب أزمة إقتصادية تؤثر على حجم تدخله في المنطقة، وهذا مايدفعه للّجوء إلى بعض الدول النفطية لتمويل عملياته العسكرية، والبحث عن التعاون الصيني على مستوى السياسات الأمنية في غرب آسيا وشمال إفريقيا يدخل في نفس الإطار أيضا. هناك بعض الأصوات داخل الأوساط الأكاديمية الصينية تدعم مثل هذا التوجه، لكنها تبقى أصوات متهورة وشاذة ولاتعرف طبيعة المنطقة جيدا، كما لانحسبها تعبر عن الموقف الرسمي الصيني، ولاالتيار الرئيسي من الباحثين الصينيين.
إن المصالح الصينية الكبيرة في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، حققتها الصين دون اللجوء إلى أي ممارسة من ممارسات الدول الغربية في المنطقة، وأعمال الشركات الصينية تواصلت حتى في الكثير من المناطق التي تشهد إضطرابات كبيرة، على عكس الكثير من الشركات الغربية، وهذا عامل يجب أن يعزز ثقة الصينيين في سياساتهم الحالية تجاه غرب آسيا وشمال إفريقيا، وصحيح أن العديد من الإستثمارات الصينية تأثرت بعدم الإستقرار في بعض الدول، لكن الحل يكمن في التعاون الصيني المباشر مع هذه الدول، ومساعدتها على تحقيق الأمن والإستقرار والإصلاح والحكم الرشيد، وقد أكد الجانب الصيني بإستمرار إستعداده للتعاون مع دول غرب آسيا وشمال إفريقيا في هذا المجال. أما الرؤية الغربية للدور الصيني في المنطقة، فهي رؤية إنتهازية وأحادية المنفعة، ولاتخدم العلاقات الصينية العربية ومصالح الجانبين على المدى الطويل. وقبل ذلك، هي لاتتطابق مع مبادئ السياسة الخارجية الصينية وروح العلاقات الصينية مع دول المنطقة وبقية الدول النامية.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn