بكين 19 ديسمبر 2014 / في الوقت الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مشروع قانون ليصبح قانونا يهدف إلى تشديد العقوبات على روسيا، من المتوقع أن تستمر المعركة المتأرجحة والتي بلغت طريقا مسدودا بين الدول الغربية وروسيا بشأن الأزمة الأوكرانية.
وعندما يلمس الكيد روسيا في منطقة حساسة بالنسبة لها، فإنه سيترد على الأرجح على الرماة -- وهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.
فمنذ إندلاع الأزمة في أوكرانيا، تبنى الغرب إستراتيجية عقوبات من ثلاث خطوات ضد روسيا -- أولا، التهديد بفرض عقوبات، ثانيا، فرض العقوبات على أفراد "يشكلون خطرا على سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها"، وثالثا، فرض عقوبات على النظام الاجتماعي الاقتصادي لروسيا وخاصة قطاعاتها الخاصة بالطاقة والدفاع والمالية.
إن جولات من العقوبات، أشبه بدحرجة الصخور، أمطرت روسيا وأصابت اقتصاد البلاد بجروح خطيرة.
وفي 16 ديسمبر الجاري، تراجع الروبل الروسي ليبلغ أدنى مستوى له على الإطلاق ، حيث وصل إلى 80 روبلا للدولار الأمريكي الواحد و100 روبل لليورو الواحد في تعاملات موسكو.
وفقد الروبل قرابة 50 في المائة من قيمته مقابل الدولار الأمريكي واليورو منذ مارس الماضي رغم عدة تدخلات في العملة من قبل البنك المركزي، ما يشير إلى أن الاقتصاد الروسي سقط في ورطة. حيث أقرت الحكومة الروسية في النهاية بأن البلاد ستنزلق في حالة من الركود في عام 2015.
ومع ذلك، فشل "الهجوم العملاق بالصخور" في فرض ضغوط على روسيا للاستسلام . أوضح الرئيس فلاديمير بوتين في مناسبات مختلفة أن روسيا ستمسك بموقفها ولن تعيش أبدا مع العقوبات.
وصرح بوتين، وهو يقر بأن العقوبات الغربية أضرت على نحو خطير بالاقتصاد الروسي، صرح في مؤتمره الصحفي السنوي العاشر في نهاية العام يوم الخميس بأن الوضع الحالي يمكن الاستفادة منه لتوفير ظروف إضافية لشركات الإنتاج ، الأمر الذي سيكون بمثابة بداية لتنويع الاقتصاد.
وأشار إلى أن "الظروف الخارجية ستحثنا على أن نكون أكثر فعالية ونتحول إلى طريق تنمية أكثر ابتكارا".
وفي مواجهة العقوبات الغربية، أعلن بوتين أن روسيا ستحظر أو تقيد واردات المنتجات الزراعية والغذائية من الدول المعنية، والأكثر من ذلك أن الرئيس الروسي لعب في زيارته لتركيا في الأول من ديسمبر "ببطاقة الطاقة"، محذرا من أنه سيتم إلغاء مشروع خط الأنابيب البحري "ساوث ستريم" الذي سيمد أوروبا بالغاز عبر تركيا.
كما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف مؤخرا أنه من الخطأ الاعتقاد بأن العقوبات الأمريكية ستكون مؤقتة، وأن روسيا لا تعترف بشرعية العقوبات ولن تجرى أية مفاوضات لرفع العقوبات.
وقال الدبلوماسي البارز إن طموح واشنطن في فرض إرادتها على العالم، باستخدام طرق مثل العقوبات، سيقابل بـ"ردود فعل متطرفة" من روسيا.
وعلاوة على ذلك، فإن "صخور العقوبات"، التي تبدو شرسة وثقيلة وقاسية، يمكن أن تسقط بسهولة على أصابع الرماة عندما يستهدفون بها الآخرين.
ووفقا لاحصاءات المفوضية الأوروبية ، فإنه في حال إتخاذ روسيا لإجراءات مضادة للعقوبات، سيخسر الاتحاد الأوروبي زهاء 40 مليار يورو (49 مليار دولار أمريكي) هذا العام، و50 مليار يورو (62 مليار دولار ) في العام المقبل.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن "صخور العقوبات" التي ألقيت على روسيا ستقود حتما إلى تكبيدها خسائر إستراتيجية.
وقال وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إن الولايات المتحدة وروسيا تحملان على عاتقهما مسؤولية مشتركة تتمثل في مكافحة قوى التطرف في الشرق الأوسط وفي حل القضية النووية الإيرانية. غير أن الظروف الحالية ستضعف دون شك المساعى الدولية المشتركة لمواجهة التحديات العالمية.
ومن ناحية أخرى، لم تعمل أوروبا بقدر ما عملت الولايات المتحدة فيما يتعلق بفرض عقوبات على روسيا.
فـ "التساهل وعدم الاكتراث " من جانب الاتحاد الأوروبي بشأن العقوبات مثل "الزيارة غير المقررة" التي قام بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لروسيا عكست جميعا من بين أشياء أخرى المعضلة التي سقط فيها أعضاء الاتحاد الأوروبي والمتمثلة في كون العقوبات حتمية ولكنها لا يمكن أن تكون مفرطة.
وقال فيسلاف شابان الخبير البولندي في شؤون أوروبا الشرقية أن روسيا من الناحية الجيوسياسية تعد "جارا حتميا" للاتحاد الأوروبي وتتشابك مصالحهما بشكل وثيق. وعلى أية حال، فإن التجارة السنوية بين الولايات المتحدة وروسيا والتي تبلغ قيمتها 40 مليار دولار سنويا تقزمت إلى حد كبير أمام التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا والتي تبلغ قيمتها 460 مليار دولار.
ويصعب على الولايات المتحدة الغنية بالغاز فهم "المرارة" التي يشعر بها حلفاؤها الأوروبيون الذين يعانون من عجز شديد في الطاقة. لذلك، فإن الدول الغربية، وحتى الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، تجرى "حساباتها" الخاصة بشأن ما إذا كانت ستبقى على العقوبات على روسيا وكيفية إبقائها.
ومع اجتياح تيارات تحتية غزيرة "للجبهة المناهضة لروسيا"، فإن "حرب العقوبات"، إذا ظلت "ساخنة"، ستكثف حتما الخلاف داخل "الجبهة" ومن ثم تقوض العلاقات الدبلوماسية الجوهرية للولايات المتحدة.
وإن القرار الذي أعلنه أوباما يوم الأربعاء باستعادة العلاقات مع كوبا قد يصبح بمثابة نداء لواشنطن وحلفائها بأن الإجراءات العقابية لا يمكن أن تكون سوى، كما ذكر أوباما بشأن الحصار على كوبا، "نهج عتيق أخفق لعقود في تحقيق مصالحنا".
وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية ، فإنه إذا أتبعت الدول الغربية على نحو أعمى المحافظين الجدد وأدمنت عقوباتها على روسيا، فإن الاقتصاد الأوروبي والعلاقات بين الغرب وروسيا سيدفعان ثمنا باهظا، وسيبتلع أيضا المدافعون عن العقوبات أنفسهم الفاتورة الأشد مرارة للإجراءات المضادة الروسية.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn